الواجب على المسلم أن يحسن الظن بالله ، ويتهم نفسه بالتقصير ، فيكون بذلك بين الخوف والرجاء : الخوف من أن يرد عليه عمله ويؤاخذه الله بذنبه ، والرجاء في رحمة الله وعافيته وقبوله .
إذا عمل العبد العمل وأراد به حسنة الدنيا والآخرة ، فلا حرج عليه في ذلك .
وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (84018) بيان أن الإنسان إذا أراد بعمله حسنى الدنيا ، وحسنى الآخرة فلا شيء عليه .
فإذا بالغ العبد في شيء من القربات ، أو اجتهد في أمر من العبادات ، أو الدعاء والتضرع إلى الله تعالى ، وهو ينظر في ذلك كله إلى تفريج كربته ، وكشف ضره ، وإعطائه حاجته وسؤله : لم يقدح ذلك في عبادته ودعائه وتضرعه ، ولم يحرمه أجر هذه العبادات .
إنما المذموم أن يعمل العمل الصالح يريد به الدنيا ، ولا تخطر الآخرة له على بال ، فهذا لا يصح عمله ولا يقبل منه ؛ لما روى الإمام أحمد (20715) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ : لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ ) صححه الألباني في “صحيح الجامع” (2825) فإذا عمل العمل بغرض تفريج الكرب لا غير ، دون أن تكون له نية في طاعة الله وثوابه وابتغاء مرضاته : فهذا هو المذموم ، أما مجرد التشريك فلا يضره ، على ما سبق بيانه .
ومما ينبغي أن يعلم : أن التقرب إلى الله تعالى في حال الشدة أكثر من حال الرخاء ليس بمذموم مطلقا ؛ بل إن الله تعالى مدح نفسه بأنه ـ وحده ـ الذي يجيب دعوة المضطر ؛ ومعلوم أن حال المضطر لا تكون ملازمة له دائما ، وأن دعوته ـ حال اضطراره ـ ليست هي دعوته في حال السعة والرخاء ؛ قال الله تعالى : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) النمل/62 .
وذم الله قوما من القاسية قلوبهم ، ما عرفوا ربهم في ضراء ولا سراء ، ولا ذكرهم البأس والبلاء بالافتقار إلى رب الأرض والسماء ؛ قال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 42- 43
أي: أخذناهم بالفقر والمرض والآفات، والمصائب، رحمة منا بهم ، لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ إلينا، ويلجأون عند الشدة إلينا.
“تفسير السعدي” (ص 256)
المصدر الإسلام سؤال وجواب